تحكي السيدة خديجة (40 سنة) أستاذة بالسلك الثانوي معاناتها الكبيرة مع ولدها البالغ من العمر 25 سنة والذي تعودت على إعطائه مصروف جيب يفوق ما يحتاج إليه: ( هو ابني الوحيد ولا أحب أن أحرمه من أي شيء، أعطيه النقود كلما طلب مني ذلك، ولم أفكر يوما في أن أسأله عن كيفية صرفه لها). عدم متابعتها له جعلت هذا الشاب يتعود على أخذ المال من أمه لدرجة أنه أصبح يرفض أية فرصة عمل تتاح له . لاحظت السيدة خديجة في السنوات الثلاث الأخيرة أن تصرفات ابنها بدأت تتغير، حيث أنه أصبح أكثر انعزالية ويتعامل بعنف شديد مع أبويه وأصدقائه المقربين منه، الشيء الذي دفعها إلى البحث عن السبب، فبدأت تراقبه وتتبعه في الأماكن التي يرتادها لتكتشف حقيقة مرة (ابني يرتاد الكاباريهات والحانات الليلية ويدخن ويتعاطى المخدرات، وهذا كله بسببي لأنني أفرطت في المصروف الذي كنت أعطيه له. (حالة السيدة خديجة تمثل الآباء الذين يفرطون في إعطاء مصروف الجيب، فماذا عن أبناء حرموا منه تماما؟ الحقيقة أننا لم نجد صعوبة تذكر في البحث عن واحد من هؤلاء، لأن عددهم كثير بعدد دور الصفيح والأحياء الشعبية بالمدينة. فالطفل أنس (14 عاما،سنة أولى إعدادي) واحد منهم: ( أبي لايعطيني مصروف الجيب إلا نادرا ويكون المبلغ زهيدا لا يكفي لسد حاجياتي، أنا أخجل كثيرا أمام زملائي بالمدرسة وأشعر بالنقص عندما يشترون ما يريدون دون أن أكون قادرا على مجاراتهم في ذلك. تعرضت كثيرا للإهانة والسخرية من طرفهم لدرجة أنني أصبحت أفضل عدم الخروج للاستراحة والبقاء داخل القسم ). لكن رغم كل هذه المعاناة والحياة القاسية التي يعيشها أنس، كانت ترتسم على محياه ابتسامة براءة ورضى وذلك لأنه يتفهم الوضع الذي يعيشه ويعلم أن أباه ما كان ليحرمه من المال لولا ضيق الحال.
أنس رضي بالوضع لكن كثيرين ممن هم في سنه لم يتحملوا نظرات الاحتقار من أقرانهم وفضلوا اللجوء للسرقة وبيع المخدرات لكي يؤمنوا مصروف جيب يرفع رؤوسهم بين زملائهم.
بالمقابل يتمنى كل الآباء أن يكون أبناؤهم أحسن منهم وأن يحققوا إنجازات ربما عجزوا هم عن تحقيقها،لذلك يبذلون كل ما في وسعهم من أجل تربيتهم وتعليمهم ،إلا أن الرياح لاتجري دائما بما تشتهي السفن، فقد تكون خاتمة تعب الأب في تعليم ابنه أن يتخرج هذا الأخير ليلحق بصف طويل من الشباب العاطل عن العمل، وبدل أن يخفف الحمل عن الأب يزداد الثقل عليه، فهو يرى أمله يتلاشى أمام عينيه دون أن يكون قادرا على فعل أي شيء. فهل يفكر الأب في التخلي عن ابنه على اعتبارأنه أدى ما عليه وأنه لم يعد مسؤولا عنه؟ الحقيقة أن الإجابة تبعث على التفاؤل لأن كل شهادات الآباء تفيد بأنهم لن يتخلوا عن أبنائهم مهما حصل، وكما صرف عليه من قبل سيصرف عليه الآن وغدا، يقول السيد عبد الكريم (50سنة): (ابني عاطل عن العمل ولم أفكر يوما في التخلي عنه أو قطع المصروف عنه لأنني أعلم أنه يحاول جاهدا العثور على عمل ولكن الغالب الله لم يجد. إذن، والإحراج الذي يشعر به العاطل ذو 24 سنة أو أكثر، وهو يمد يده لأبيه طالبا مصروف الجيب. فبالنسبة لعلي (25 سنة حاصل على شهادة في القانون): (طلب مصروف الجيب في هذه السن أعتبره إهانة. إني أجد السرقة أهون من أن أمد يدي لأبي الذي أنهكه الزمن ولم يعد يتحمل مصاريف الحياة . (حالة علي واحدة من حالات كثيرة يضطر فيها الشاب للجوء للسرقة والأعمال المشبوهة ليوفرلنفسه مصروفا يقيه إحراج الوقوف أمام أبيه رغم أنه سيعيش إحراجا من نوع آخر.