لقد خلق الله عز وجل المرأة وجعلها تتمتع بحاسة تمكنها من التبصر في نتائج الأمور وعواقبها.فمن المواقف التى تستوقفنى وتثير تأملاتى حيث أن الموقف تغلب عليه الرهبة وتحكمه المسؤولية البحتة والتعقل التام... بعيدا عن هوى أو انفعال .هو موقف بلقيس الملكة الرزينة حين خالفت وزراءها عندما أشاروا عليها باللجوء إلى القوة .فلم تغتر بقوة جيشها أو تخضع لرأى العقل وحده بل كانت فطنتها النابعة من كونها أنثى وبعد نظرها وبصيرتها ومن إمارات فطنتها أنه لما ألقي عليها كتاب سليمان علمت من ألفاظه أنه ليس ملكا كسائر الملوك، وأنه لا بد وأن يكون رسول كريم وله شأن عظيم .فكان البصر والبصيرة تمثلا فى هذه المرأة التى خالفت رجالا مسؤولين احتكموا إلى العقل فقط أما هى فكانت تملك مالايملكه الرجال .ولكن دهاءها وحنكتها خلصاها و خلص قومها من الفساد و الطغيان . كما أنها عرفت بحسن المشاورة إلى جانب البراعة في المناورة، فهي لم تكن كبقية الملوك متسلطة في أحكامها، متزمتة لآرائها، لا تقبل النقاش أو المجادلة، بل كانت كما أجرى الله على لسانها ( قالت أيها الملأ أفتوني في أمري ما كنت قاطعة أمراً حتى تشهدون) و ذلك على الرغم من أنه كان بمقدورها أن تكتفي برأيها. فهي ببصيرتها النيرة كانت ترى أبعد من مصلحة الفرد، فهمها كان فيما يحقق مصلحة الجماعة. إسلام الملكة بلقيس مع سليمان كثيرة هي القصص المذكورة في القرآن عن أقوام لم يؤمنوا برسل الله و ظلوا على كفرهم على الرغم مما جاءهم من العلم . إلا أن بلقيس وقومها آمنوا برسول الله سليمان عليه السلام ولم يتمادوا في الكفر بعدما علموا أن رسالته هي الحق وأن ما كانوا يعبدون من دون الله كان باطلا. واعترفت بلقيس بأنها كانت ظالمة لنفسها بعبادتها لغير الله ( قالت ربي إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين ) : وفي الختام فمهما أتقنا روعة التعبير و جودة التأليف.. و مهما كتب عن الملكة بلقيس فإن قصتها ستكون كما وصفها القرآن( لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب).فكثيرا ما تأملت حكمة الله سبحانه وتعالى ان الله جمع بين البصر والبصيرة فى بيت يجمع الرجل والمرأة.. ويحتاج لإدارته إلى الاثنين معا.. وحينما يتغيب الرجل نجد أن المرأة جمعت بين الاثنين ونجحت فى إدارته .فى حين أن فى غياب المرأة يعجز الرجل عن ادراة البيت .. ويحتاج لمن تملك البصيرة متمثلة فى امرأة..ويزخر التاريخ الإسلامي بمواقف تدعم رجاحة عقل المرأة و أنها تملك حدسا قلبيا وبصيرة لا يتمتع بها الرجل . و لا يسعوني في الأخير إلا أن أذكركم بمعلمة الرجال أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر رضي الله عنهما فقد تتلمذت وتخرجت من مدرسة النبوة ،و تولاها في طفولتها شيخ المسلمين أبوها الصديق ، ورعاها في شبابها نبي البشرية ومعلمها ..فهي أحد الينابيع الفياضة لأولئك العطشى المتشوقين لمعرفة سيرة خير الأنام والباحثين عن أحكام الشرع في كافة الجوانب الحياتية حتى حق لها أن تكون معلمة الرجال.
جزى الله أمنا ومعلمة أجيالنا كل خير وجعلها في علمها وعبرها نبراسا لنا..